تقنية

التكنولوجيا دمرت المجتمعات

التكنولوجيا دمرت المجتمعات

التكنولوجيا دمرت المجتمعات

التكنولوجيا : في الخمسينات والستينات من القرن الماضي عندما كان التلفزيون لا يزال حديث العهد ، كان يحرص على تقديم برامج هادفة وأخلاقية لمشاهديه .

وكانت النصيحة التي يقدمها الخبراء للشباب هي : تابعوا برامج التلفزيون ، وستستفيدون الكثير منها .

في فرنسا حاول سارتر استغلال الشاشة الصغيرة لنشر فكره الوجودي ، وكان يوصي أنصاره بكتابة مسلسلات وتمثيليات وجودية بطريقة مشوقة وتقديمها على الشاشة .

ولكن هذه الفكرة لم تنجح لسبب بسيط هو أن التلفزيون وإعلام وأدوات السوشال ميديا أفرز جيلاً أكثر وعياً من أن تخدعه الفلسفة الوجودية.

لعلنا لا نبتعد عن جادة الصواب إذا قلنا إن العامل الرئيسي في انهيار هذه الفلسفة والفلسفات التي تعطي اهتماماً كبيراً للخيال مثل السوريالية وغيرها من المدارس الفنية والأدبية ، يعود إلى انتشار التلفزيون ووسائل الإعلام والسوشال ميديا .

التكنولوجيا والأثر الأخلاقي

التكنولوجيا والأثر الأخلاقي

الآن وبعد ما يزيد على ستة عقود ، تغير الوضع إلى حد كبير ، فقد بلغ التلفزيون مرحلة الخرف ، وفقد النهج الأخلاقي الذي كان يسير عليه ، وسلك سبيلاً يهدد القيم والأخلاقيات المتعارف عليها ، بما في ذلك العلاقات داخل الأسرة ، ومستقبل الشباب.

ففي أحصائية ميدانية تبين أن الطالب يقضي ما يقرب من 1100 ساعة أمام التلفزيون والسوشال ميديا كل عام ، في مقابل كل 900 ساعة يقضيها على مقاعد الدراسة .

بعد انتشار ثورة الاتصالات و التكنولوجيا دخلت ألعاب الفيديو والانترنت حلبة المنافسة على الساعات التسعمائة الخاصة بالدراسة ، ودخل التلفزيون في منافسة معها محاولاً مخاطبة غرائز الشباب والنوازع الخفية لديهم .

كانت النتيجة أن الطلاب لم يعودوا يجدون أمامهم من الوقت ما يخصصونه للمدرسة ، بل إنهم لم يعودوا يجدون ولو بضع ساعات في الاسبوع يجتمعون فيها مع باقي أفراد العائلة ويتبادلون الأحاديث .

تجربة حول تأثير التكنولوجيا

تجربة حول تأثير التكنولوجيا

في مدرسة هيلينا المتوسطة بولاية ألاباما الأمريكية ، وضع مدير المدرسة طلابه البالغ عددهم 600 طالب أمام التحدي الكبير : عدم الجلوس أمام التلفزيون ، والابتعاد عن ألعاب الفيديو والكمبيوتر لمدة يوم واحد في الشهر ، ولم يطلب منهم تمضية هذا اليوم في الدراسة وإنما طالبهم بتمضيته مع عائلاتهم في نزهة ، أو في زيارة الأصدقاء أو استقبالهم .

أعطى هذه العملية اسما كوديا هو : “ عملية الإطفاء ” وقال لهم : صدقوني عندما تصلون إلى سن الشيخوخة وتتذكرون ما كان ، وما ينبغي أن يكون ، لن يقول أحدكم أتمنى لو أنني أمضيت فترة أطول في مشاهدة التلفزيون ، وإنما سيقول أتمنى لو أنني أمضيت فترة أطول مع عائلتي .

وفي الشهر الأول من العملية لم يتحمس لها الكثيرون ، وشارك فيها 60 طالبا فقط ، ولكن هؤلاء تحدثوا إلى زملائهم الطلاب الآخرين عن المتعة الجديدة التي لمسوها خلال ذلك اليوم ، متعة التواجد في جو عائلي .

في الشهر الثاني ارتفع العدد إلى النصف ، وقال طالب في العاشرة من عمره : كل أفراد عائلتي قرروا الاشتراك في البرنامج ، فقد تناولنا الغداء في الحديقة ، ولعبنا الكرة وبعض ألعاب التسلية ، وتحدثنا كثيرا ، إلى حين حلول الظلام .

وقالت والدته : عندما اتذكر كيف كنا نعود إلى المنزل فلا يتحدث أحدنا إلى الآخر ، الأولاد أمام الكمبيوتر أو ألعاب الفيديو ، والأب أمام التلفزيون ، أشعر بالغصة لأن السعادة الحقيقية كانت تضيع منا دون أن ندري ، وأعتقد أننا لن نشاهد التلفزيون بعد اليوم .

وأبرز ما ترتب على انتشار ثورة الاتصالات و التكنولوجيا والقنوات الفضائية هو : أن كل فرد من أفراد العائلة صار له جوه الخاص به ، وضاع الجو العائلي الذي كان يضم الجميع ، الأمر الذي انتهى بكل فرد ، وبالتالي المجتمع بأكملة إلى الكآبة والوحدة والأفكار السوداوية .

ولو بقي التلفزيون على صورته القديمة ولم نشاهد هذا التقدم من التكنولوجيا ، ولو حاولنا السيطرة على ثورة الاتصالات بحيث لا نصبح عبيدا لها ، لما كان هذا هو الحال .


المصدر

جميع حقوق الملكية الفكرية والنشر محفوظة لموقع غدق www.ghadk.com

“يمنع منعاً باتاً نقل أو نسخ هذا المحتوى تحت طائلة المسائلة القانونية والفكرية”

يمكنكم دعم الموقع عن طريق الاشتراك في صفحة الفيس بوك Facebook وحساب الانستغرام  Instagram وحساب تويتر Twitter

للتواصل والاستفسار والدعم التواصل على البريد التالي : ghadak.site@gmail.com

غدق

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الرحاء ايقاف مانع الاعلانات